تَحَدَّثتُ إلى الطَّيْر
جَلَسْتُ، بعدَ ظُهر ذلك النَّهار، وَحيدًا على صَخرةٍ تجاهَ الشَّاطِئ المُتَرامي، أَرْقُبُ غُروبَ الشَّمس. وكأنَّ طَيرًا أَرادَ مُؤانَسَتي، فراحَ يَدورُ ويَدورُ بقُرْبي، في خَوْفٍ، إلى أنْ طابَ له غُصنُ شَجرةٍ كانَتْ تُنْعِمُ عليَّ بآخِر ظِلِّها، فحَطَّ عليه.
نَظَرْتُ إليه، فنَظَرَ إليّ؛ قُلْتُ له: راقِبْ مَغيبَ الشَّمس وَسْطَ اليَمِّ الواسِع، وأَجِبْ على سُؤالي: ماذا تَرى في هذا المَشهد الرَّائِع؟
وكأنَّ الطَّيرَ أَرادَ مُحادَثَتي والرَّدَّ عليّ. لَكنَّ قِواهُ لَم تُسْعِفْه، فلَوَّحَ إليَّ بجَناحَيْه، وطارَ إلى غُصنٍ من الشَّجَرة عالٍ، ثمَّ إلى آخَرَ أعلى، فأعلى، إلى أنِ انْتَهى إلى الأعلى؛ وعادَ ونَظَرَ إليّ، فقُلْتُ له: فَهِمْتُ قَصدَك يا أخي. إنَّ الإنسانَ يَعْلو ويَعْلو، حتَّى إذا ما نالَ ما يُريد، أَصْبَحَ مُعَلَّقًا بينَ الأرض والسَّماء، فيَتَساءَلُ إلى أينَ سيَحْدوهُ المَصيرُ، ويَوَدُّ أنْ يَعْلُوَ أكثَر، من جَديد، إلى حيثُ اللاَّوُجود، طالِبًا الفَناءَ لنَفْسه على أمَل أنْ يَلْقى جَديدًا.
بعدَما نَظَرَ الطَّيرُ إليَّ مَلِيًّا، ووَعى حَديثي، حَوَّلَ عنِّي نَظَرَه، وطارَ من جَديد نَحوَ اللاَّوُجود، وانْحَدَرَ حتَّى أسفَل الشَّجَرة، ومَرَّ بالقُرْب منِّي مُوَدِّعًا، وأَسْرَعَ فوقَ الشَّاطِئ المُتَرامي، نَحوَ اليَمِّ الواسِع، وصَبا إلى البَعيد البَعيد...
ورُحْتُ، في غَمرَة المَغيب الجَميل، أَتَأَمَّلُ الطَّيرَ الجَريحَ يَشُقُّ الشَّمسَ الغائِبة، وقَد أَصْبَحَتْ حَمراءَ رائِعة، فيما البَحرُ يَغْنَمُ حِصَّتَه من بَدْرِها المُتَلاشي.